خلق الله سبحانه وتعالى الأرض في يومين اثنين ولم يعيا بخلقها، وثبتها برواسي شامخات من فوقها، وقد سبحانه وتعالى فيها أرزاق أهلها وأقواتهم وكل ما يصلح من أجلهم في أربعة أيام، ثم استوى سبحانه وتعالى إلى السماء وكانت دخان، فقال جل علاه للأرض وللسماء “ائتيا طوعا أو كرها”، قالتا آتينا طائعين.
ثم استوى سبحانه وتعالى إلى العرش فسخر الشمس والقمر كل يجري في الفلك والملكوت لأجل مسمى، ومن ثم خلق الملائكة الذين يعبدونه حق عبادته ولا يعصون له أمرا، يسبحون له بالليل والنهار. من قصص القرآن طريق الإسلام:
شاء الله سبحانه وتعالى بقدرته وإرادته أن يخلق خلقا آخر ويخلفه في الأرض، فأخبر سبحانه وتعالى ملائكته أنه منشئ خلقا آخر وجاعلهم في الأرض يمشون في مناكبها ويأكلون من خيراتها، فخلق سبحانه وتعالى آدم وحواء.
والملائكة اصطفاهم وطهرهم ونزههم سبحانه وتعالى عن أي سوء، ولأنهم خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له استاءوا من أن يخلق الله سبحانه وتعالى خلقا غيرهم وذلك خوفا من أن يكونوا قد قصروا في شيء ما، فسألوا خالقهم سبحانه وتعالى كيف سيخلق خلقا غيرهم وهم دائمون على عبادته وتسبيحه وتقديسه سبحانه وتعالى، وأن من سيخلقهم ويجعلهم خلفاء في الأرض بالتأكيد سيتقاتلون ويتصارعون على الخيرات الموجودة بها، وبالتالي سيفسدون فيها بسفكهم للدماء وزهقهم لأرواح غيرهم وهكذا، لقد قالت الملائكة كل هذه الأمور حتى تزيل أي شبهة عن أنفسهم وأي وساوس من صدورهم، كما أنهم رجوا الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم خلفاء الأرض لأنهم أسبق بمعرفة حقه جل في علاه، ولم يكن سؤالهم إنكارا لفعلة الله سبحانه وتعالى، حاشا وكلا ولا شكا في حكمته سبحانه وتعالى ولا إنقاصا لخلقه وإنما فعلوا ما فعلوه لأنهم عباده المقربون وأولياؤه المخلصون في عبادته، لا يسبقونه بالقول وهم بكل أوامره يفعلون.
أجابهم الخالق سبحانه وتعالى بما جعل به قلوبهم إليه مطمئنة ونفوسهم به مقتنعة، فقال جل في علاه: ” قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”؛ لي من جعله خليفتي بالأرض حكمة لا تدركونها، إنكم سترون فيما بعد ما خفي واستتر عنكم، وسألهم أن يسجدوا لآدم حالما يسويه وينفخ فيه من روحه.
خلق الله سبحانه وتعالى آدم من صلصال من حمأ مسنون، ونفخ فيه من روحه فدبت فيه نسمة الحياة، وأصبح بشرا سويا، سبحان من سواه؛ أمر الله سبحانه وتعالى ملائكته أن يسجدوا لآدم فسجدوا جميعا خاضعين لأوامر ربهم معظمين لخلقه (آدم)، وعفروا جباههم إلا إبليس الذي أبى واستكبر وكان من الكافرين، سأله الخالق سبحانه وتعالى عن السبب الذي جعله يمتنع عن طاعته وامتثال أوامره، فقال إبليس بكل استكبار وعلو: “أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين”، وبذلك ظن إبليس أنه أفضل خلقا من آدم وأسمى منه جوهرا، وظن ألا أحد بإمكانه أن يباريه في علو الشأن وسمو المنزلة، جاهر إبليس بمعصية ربه استكبارا بغير الحق، فعاقبه ربه سبحانه وتعالى على عصيانه وتطاوله فلعنه وطرده من رحمته، وما كان من إبليس إلا أن طلب من ربه أن ينظره ليوم الوقت المعلوم، فجعله ربه من المنظرين، ثم توعد إبليس آدم وكل بنيه أن يقعدن لهم صراط الخالق المستقيم، لم يقابل فضل الله سبحانه وتعالى إلا بالجحود والنكران، فتوعد خلق الله أجمعين (بني آدم) باجتهاده دوما لإضلالهم وغوايتهم والانتقام منهم.
طرد إبليس من رحمة ربه، وأخبره جل في علاه أن يكمل في الطريق الذي اختاره (طريق الشر)، ويفعل ما يشاء قال تعالى في كتابه العزيز: ” وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا”، أخبره خالقنا سبحانه وتعالى أن يمني من استطاع منهم ويعدهم بوعوده الكاذبة، كما وعد الله سبحانه وتعالى ألا يخلي بينه وبين عباده من صحت منهم عقيدته وقويت عزيمته (عباده المخلصين)، وعده الله سبحانه وتعالى بألا يجعل له سلطان على عباده المخلصين، وأن يجعل قلوبهم عنه منصرفة وآذانهم لما يقول غير مصغية، أما من اتبعه منهم فتوعد لهم جميعا بأن يملأ جهنم منهم أجمعين.